أهلا بكم في مدونة الدكتور محمود إسماعيل صالح

الخميس، 26 ديسمبر 2013


اللغة العربية ومنزلتها بين لغات العالم

د/ محمود إسماعيل صالح

أستاذ اللسانيات التطبيقية

المقدمة:

يتحدث اللسانيون الاجتماعيون ، خاصة المهتمون منهم بالتخطيط اللغوي، عن عوامل وصفات عدة تؤثر في أهمية اللغة ومكانتها ومبررات اختيارها لغة رسمية في أي بلد أو منطقة معينة ، يمكننا أن نوجزها في النقاط  الثماني عشرة  التالية ، مع توضيح علاقة كل منها ومدى تطبيقه على اللغة العربية. من ثم نستطيع أن نحكم بصورة موضوعية على مكانة اللغة العربية في العالم ، مقارنة باللغات الأخرى.


أولا: العوامل المؤثرة في مكانة اللغة:

1-    خصائص اللغة اللسانية:

أ‌-       النظام الصوتي للغة:

من المعروف أن اللغة العربية إحدى اللغات السامية العريقة . ويتميز نظامها الصوتي بالصفات التالية:

-         عدد أصواتها : أربعة وثلاثون صوتا ، منها ثمانية وعشرون صامتا أو شبه صائت وستة صوائت أو حركات (ثلاث قصيرة وثلاث طويلة) . وفي رأيي أن عدد الصوامت أهم من عدد الصوائت ، ممانجده في كثير من اللغات (الإنجليزية مثلا) ، حيث إنها تحمل لب المعنى في الألفاظ ومنها يكون الاشتقاق.

-         التشديد والتنوين ودورهما الصرفي والنحوي

-         جدير بالذكر أن اللغة العربية تستخدم كامل النطاق النطقي للإنسان ، حيث تستغل أصواتها النطاق الذي يبدأ من أقصى الحلق (الحبال الصوتية ) إلى الشفتين ، كما تضيف إلى ذلك ظاهرة لا تكاد تعرف في اللغات الأخرى المشهورة ، وهي ظاهرة الإطباق الذي يؤدي إلى التمييز بين السين والصاد والتاء والطاء مثلا.

-         من هنا يمكننا الزعم بوجود خصائص صوتية أو نطقية ممزة للغة العربية.

-         من الجانب فوق القطعي ، نجد أن العربية مثل معظم لغات العالم المعروفة لغة تنغيمية intonation language  (أي الاختلاف في طبقة الصوت pitch يؤثر في معنى الجملة ، لا على مستوى الكلمة كما هوالحال مع الصينية والفيتنامية مثلا). وتستخدم العربية أربعة طبقات من الصوت وثلاثة أنواع من الوقف الجملي للتعبير عن معاني مختلفة أو لأداء وظائف لغوية مختلفة ، كالإخبار والاستفهام والتعجب والاستمرار في الكلام وما شابه ذلك. كقولنا: "محمد طالب جامعي" على وجه الإخبار فيكون النمط التنغيمي: متوسط-مرتفع-هابط ووقفة هابطة .

أما إذا أردنا الاستفسار فيختلف النمط التنغيمي ليصبح : متوسط-مرتفع مع وقفة صاعدة. وكما هو معروف ترتفع طبقة الصوت المرتفعة خاصة درجة أو أكثر للتعبير عن التعجب أوالاستغراب.

عند رغبتنا في الاستمرار في الجملة أو العد ، غالبا ما نلجأ إلى استخدام النمط التنغيمي : متوسط- مرتفع-متوسط مع وقفة معلقة suspended juncture ، وذلك لكي يتابع السامع كلامنا ويعرف أن العبارة لم تنته بعد.

كذلك نجد أن العربية تستخدم كلا من نبر الكلمة ونبر الجملة في الكلام المنطوق .مثلا نجد أن كل كلمة منبورة تبعا لقواعد معلومة ، كنبر المقطع الأول من الكلمة إن كانت مقاطعها قصيرة (كما في كَ-تَ-بَ). ويقع النبر على المقطع الطويل (به صائت طويل أو صامتين متتابعين (كما في مَ-كا-ن ، أو مَ-صِرِ-ف) ... إلى غير من القواعد المعروفة (انظر داود عبده ...) . أما على مستوى الجملة ، فنجدها ننقل النبرة من كلمة إلى أخرى حسب رغبتنا في التأكيد على أي منها (في الجملة : اشترى زيد كتاباً جديداً ، يمكننا أن ننقل النبرة الجملية إلى الفعل أو الفاعل أو المفعول به أو الصفة لنؤكد للسامع أيا منها.) .

(جدير بالذكر أن علامات الترقيم والاستخدام الخاص للأبناط أو الألوان أو وضع الخط تحت الكلمة كلها وسائل كتابية للتعبيرعما يسمى بالظواهر فوق القطعية (أو التطريزية كما يسميها اللغوي المعروف كمال بشر). كذلك نجد أن الوزن في الشعر إنما يعتمد على أنماط توزيع نبر الكلمة.)

ب‌-  النظام الصرفي:

 اللغة العربية ، كما هو معروف ، لغة اشتقاقية بامتياز. فهي تعتمد الجذر الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي منطلقا لتكوين كلمات اللغة . ثم إن هناك التصريف بصوره المختلفة ، مثل تصريف الفعل للدلالة على الزمن والشخص والجنس والعدد. فهناك ثلاث صيغ أساسية هي الماضي والمضارع والأمر، ولكل من هذه الصيغ تصريفاته تبعا للشخص (متحدث أومخاطب أو غائب) ثم الجنس (مذكر أو مؤنث) ثم العدد (مفرد أو مثنى أو جمع). وهناك تصريفات الاسم إلى المؤنث والمثنى والجمع بأنواعه .

 أما من حيث الاشتقاق ، فأبواب المشتقات معروفة ، مثل المصدر، واسم الفاعل واسم المفعول ، واسم الهيئة واسم المرة ، واسم الآلة ، وصيغ المبالغة ... إلى غير ذلك. ثم هناك من يميز بين الاشتقاق الصغير والاشتقاق الكبيروالأكبر والكبار في العربية (انظر تمام حسان : اللغة العربية : معناها ومبناها وكذلك الفصول التي نشير إليها أدناه من كتاب صبحي الصالح : دراسات في فقه اللغة ، إضافة إلى "الفصل التاسع: صيغ العربية وأوزانها" في الكتاب المذكور، وعبدالله أمين: الاشتقاق).

ولا شك أن كل هذا يجعل اللغة العربية أغنى لغة في العالم حسب علمنا من حيث إمكاناتها وصيغها الصرفية ، مما يتيح لها التعامل بسهولة مع الحاجات المستجدة لألفاظ جديدة لإثراء معجمها، وللتعبير بدقة عن المعاني المختلفة ، كما سنرى عند الحديث عن الخصائص المعجمية للغة العربية.

جـ- النظام النحوي أو التركيبي:

 تمتاز العربية بظاهرتي رتبة الكلمة  word order والإعراب للتعبير عن الوظائف النحوية المختلفة ، على العكس من كثير من اللغات المعروفة ، كالإنجليزية، التي تعتمد على ظاهرة واحدة فحسب للتعبير عن هذه الوظائف ألا وهي ترتيب الكلمات (كما الحال أيضا في العاميات العربية) . فالعربية تعبر عن الفاعل مثلا بصيغة الرفع . وفي حالة غياب الحركة تلجأ إلى موقع الكلمة (كما في : قابل موسى عيسى) ، حيث تكون الكلمة الأولى فاعلا وتكون الثانية مفعولا به.  كذلك تستخدم العربية ترتيب الكلمات للتمييز بين الصفة والموصوف والمضاف والمضاف إليه إلى غير ذلك من الوظائف النحوية.

هذا وتؤدي ميزة العربية هذه إلى المرونة في تغيير موقع الكلمة دون إخلال بوظيفتها النحوية ، وذلك للتعبير عن أغراض بلاغية خاصة . كذلك نجد أن استخدام  العربية  لظاهرتي الترتيب والإعراب في آن واحد يؤدي إلى ما يسمى بتكرار المعنى أو الإطناب redundancy في علم المعلومات ، مما يساعد على وضوح المعنى في ذهن السامع أو القارىء. فالخطأ في استخدام إحدى الظاهرتين يغطي عليه الصحة في الظاهرة الأخرى.

(ربما كان هذا من العوامل التي تمكن العربي من قراءة النصوص غير المشكولة وفهمها دون عناء يذكر، كذلك يساعده في فهم الجمل الخاطئة نحويا عند سماعها – كما نلاحظ عند سماع المحاضرين والخطباء الكثر للأسف ممن يلحنون في لغتهم.)

د- النظام المعجمي:

نظرا لتاريخها الطويل الذي يمتد دون انقطاع ولكترة لهجاتها واتساع رقعة منطقة  استعمالها تميزت اللغة العربية بثراء لفظي ملحوظ ، كما نرى في معاجم المعاني والمتردقات العربية ، حيث نجد عشرات بل والمئات  أحيانا من المترادفات (بالأحرى أشباه المتردفات) للتعبير عن الشيء أو المفهوم الأساس الواحد. وهنا أؤكد على كلمة أساس واحد لأن معظم اللغويين قديما وحديثا لا يؤمنون بالترادف التام في اللغة ، سوى ربما في بعض المصطلحات العلمية ومسميات بعض الأشياء (مثل حاسب آلي ، حاسوب، كمبيوتر، أو جوال ، محمول، نقال ، خليوي ...).

وهناك جانب مهم آخر يجب أن نأخذه بعين الاعتبار عندما نتحدث عن الثروة اللفظية للغة العربية ، وهي ظاهرة الاشتقاق الغني بإمكاناتها غير المحدودة تقريبا . فكما أدرك الخليل بن أحمد الفراهيدي من تقليباته عند إعداد معجم العين هناك جذور وصيغ كثيرة لم تسعمل (انظر حلمي موسى ...) ، من ثم  تشكل معينا لايكاد ينضب للالفاظ الجديدة والإثراء المعجمي للغة العربية.

(مقابل هذه الإمكانات الصرفية الهائلة للغة العربية نجد أن اللغات الأوربية الحديثة تلجأ إلى الجذور اليونانية واللاتينية في صياغة معظم المصطلحات العلمية الجديدة لضعف إمكاناتها الذاتية في ذلك.)

وجانب ثالث يجب أن لانغفله هنا ، وهو تقبل العربية للألفاظ الأجنبية وتعريبها والاستفادة منها ، بل وإخضاع كثير منها للإمكانات التصريفية والإشتقاقية العربية ، مما أدى ويؤدي إلى إثراء اللغة معجميا. فمنذ العصر الجاهلي استقبلت العربية ألفاظا أعجمية ودمجتها في نسيج العربية المعجمي ، ومن ذلك مايشار إليه بالكلمات الأعجمية في القرآن الكريم (الصحيح أنها كلمات عربية ذات أصول أعجمية ، وليست كلمات أعجمية ، كانت متداولة في الجزيرة العربية) ، مثل صراط ودينار ودرهم وسندس ...

هـ - البلاغة والتداولية:

 أود أولا أن أشير إلى مصطلح التداولية الذي دخل اللغة العربية للتعبير عن المصطلح اللساني pragmatics ، والذي يمكننا تبسيطه بالقول بأنه العلم الذي يدرس اللغة في سياقها الاجتماعي أي التعبير عن الوظائف التواصلية المختلفة وفق ظروف المقام المختفة ، مثل المتكلم والمخاطب والمكان والزمان. وتشمل البلاغة في جانب منها دراسة هذه العلاقة بين المقال والمقام ، بل إن البعض يرى أن البلاغة في التعبير هي "مناسبة المقال للمقام".

ومما لاشك فيه أن البلاغة العربية بجوانبها البيانية والبديعية غنية بإمكانات التعبير والتواصل المختلفة بشتى الصور وفي الظروف المختلفة. ولاتقل عن أية لغة أخرى ، إن لم تبز كثيرا من اللغات ، في هذا الجانب المهم للغة ووظيفتها التواصلية والتعبيرية.

و- نظام الكتابة العربية:

 يتسم نظام الكتابة بالحرف العربي بمرونة كبيرة ليست متوافرة في أنظمة الكتابة الأخرى ، سواء أكانت هجائية أم مقطعية أم كلمية. ويتضح ذلك من إمكانية الاستغناء عن الحركات القصيرة وإضافتها . كذلك يظهر ذلك في إمكانية إدخال تعديلات وإضافات إلى حروفها (مثل أنواع وأعداد النقط والخطوط إلى الباء والفاء ، بل والراء كذلك ، وما يسمى بالكاف الفارسية لتمثيل الكاف المجهورة (الجيم القاهرية) . وقد أدى ذلك إلى استعمال الحرف العربي في كتابة كثير من اللغات التي تنتمي إلى أسر لغوية وبيئات جغرافية من العالم (من أقصي شرق وجنوب شرق آسيا , ومرورا بشبه القارة الهندية إلى أقصى شمال أفريقيا ومن شمال أفريقيا حتى جنوبها (هناك مصادر تثبت كتابة لغة الأفريكان في جنوب أفريقيا بالحرف العربي) وشرقها وغربها. بل إن هناك مصادر تاريخية تثبت حتى بعض اللغات الأوربية (الأسبانية خاصة) بالحرف العربي وهو ما فعله المسلمون العرب بعد أفول دولة الأندلس.

2-    تاريخية اللغة وعراقتها :

 من المعروف أن اللغة العربية تنتمي إلى أسرة اللغات السامبية التي تنتمي إليه مجموعة من اللغات المعروفة كا لأمهرية في الحبشة والسريانية في الشام والعبرية ، وتعتبر اللغة العربية فريدة بين سائر اللغات من حيث استمرارها في صورتها الأساس مدة تزيد عن الخمسة عشر قرنا دون تغييريذكر في تراكيبها وأصواتها ومفرداتها ، مما يفسر قدرة العربي اليوم أن يقرأ القرآن الكريم ويفهمه بصورة عامة دون أية مشقة. كذلك الأمرمع النصوص الإسلامية الأخرى ، بل وكثيرا من الشعر الجاهلي كذلك (مع ملاحظة أن لغة الشعر ليس دائما في مستوى سهولة النثر في اللغة).  ولايجد المثقف العربي صعوبة في فهم النصوص غير المتخصصة من شتى العصور المختلفة ، بل ومن المناطق الجغرافية التي تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي(بل النصوص التي كتبها المسلمون في أواسط آسيا وفي جنوبها الشرقي كذلك)  اوالأندلس إبان الأربعة عشر قرن الماضية. في مقابل ذلك نجد أن المثقف الإنجليزي قد يجد صعوبة في قراءة بعض النصوص التي لا يزيد عمرها على الخمسة قرون فحسب.

(لدراسة قيمة عن تاريخ اللغة العربية ، انظر"العربية الباقية وأشهر لهجاتها" ، خاصة "شجرة اللغات السامية" (ص 64) في الكتاب القيم للدكتور صبحي الصالح : دراسات في فقه اللغة. ولمزيد من المعلومات عن الخصائص اللسانية للعربية ، انظرإدريس العلمي (2001) الذي يورد استشهادات لآراء كتاب عرب وغربيين إضافة إلى ملاحظاته الشخصية ، وكذلك عبدالعزيزالعصيلي .)

3-    استجابة اللغة لاحتياجات الناطقين بها:

لقد أثبتت اللغة العربية القدرة على الوفاء بحاجات أهلها طيلة القرون الخمسة عشر الماضية قبل ومنذ نزول القرآن الكريم الذي لم يدع شيئا يهم الإنسان إلا وتحدث عنه بوضوح وفصاحة متناهية . ثم أثبتت العربية قدرتها على الوفاء بحاجة المجتمع العربي عند احتكاكه بالشعوب الأخرى ، بدءا بتعريب الدواوين في العصر الأموي ثم استمرارا  بتعريب العلوم والفلسفة ونقلها من اللغات الشرقية واللاتينية واليونانية على مدى قرون عديدة في العصرالأموي والعباسي، وأخيرا في العصرالحديث ، حيث تعامل العرب مع عشرات ، بل ربما مئات، الآلاف من المفاهيم الحضارية والعلمية .ويكفي أن نشير إلى أن مجمعا واحدا (مجمع اللغة العربية في القاهرة) وضع ما لا يقل عن مائة ألف مصطلح إبان الخمسين سنة الأولى من عمره.

نورد استشهادا أورده الدكتور فرحان سليم في دراسة له ، حيث يقول:

"يقول الألماني فريتاغ : (( اللغة العربية أغنى لغات العالم )) . "

(انظر فرحان سليم في قائمة المراجع)


4-     إمكانية تطويرها ونموها:

يروي الدكتور فرحان سليم عن أحد المستشرقين : "يقول وليم ورك : (( إن للعربية ليناً ومرونةً يمكنانها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر. ))

مما لاشك فيه أن إمكانات تطوير اللغة العربية والارتقاء بها لا يحتاج إلى دليل أكثر مما ذكرنا آنفا . فاللغة العربية تمتاز بحيوية بالغة في النمو المعجمي خاصة ، كما نلاحظ منذ بداية العصر الإسلامي الأول ، حيث نجد مئات من الألفاظ التي أخذت منحى جديدا واكتسبت مفاهيم إسلامية جديدة دون كبير عناء. واستمر هذا النمو خلال العصور المختلفة ، بالرغم من الفتور والوهن الذي اعترى اللغة مؤقتا إبان عصور الانحطاط الحضاري في العالم العربي والإسلامي.

 ومن مظاهر طاقة اللغة العربية في النمو ظاهرة الاشتقاق بأنواعه الثلاثة  الصغير والكبير والأكبر، إضافة إلى ظاهرة النحت والترادف والاشتراك اللفظي ، مما أفرد له اللغويون العرب المجلدات في دراساتهم (انظرعلى سبيل المثال صبحي الصالح "المناسبة الوضعية وأنواع الاشتقاق" وكذلك "النحت أو الاشتقاق الكبار" و"اتساع العربية في التعبير" و"تعريب الدخيل"  في كتابه : دراسات في فقه اللغة )، وكل ذلك وسائل من داخل اللغة . هناك أيضا مرونة العربية في تقبل الألفاظ المقترضة من لغات مختلفة ، وتعد بالآلاف في القديم والحديث (انظر على سبيل المثال المعرب للجواليقي ومنار السبيل وغيرها مما حاول تسجيل الألفاظ المقترضة من اللغات المختلفة في العصور الإسلامية المختلفة السابقة). ولا يمكن للقارىء أو المستمع أو المشاهد العربي أن يغفل عن ما تزخر به المراجع العلمية ووسائل الاتصال المقروء والمسموع والمشاهد والإلكتروني في العصر الحديث من ألفاظ مقترضة ومعربة من لغات مختلفة.

قبل أن نختم هذا القسم من الدراسة ، نود أن نورد ملاحظة قيمة ذكرها اللغوي العربي المعروف صبحي الصالح في كتابه المذكور آنفا، حيث يقول:

"ولعل أبرز العوامل في اشتمال لغتنا على هذا الثراء العظيم أن المهجور في الاستعمال من ألفاظها كتب له البقاء ، فإلى جانب الكلمات المستعملة كان مدونو المعجمات يسجلون الكلمات المهجورة ، وماهجر في زمان معين كان قبلا مستعملا في عصر من العصور... وهجران اللفظ ليس كافيا لإماتته ، لأن من الممكن إحياءه بتجديد استعماله." (ص 339). التأكيد من عندي.

5-    وسائل المحافظة عليها والارتقاء بها:

من المعروف أن العربية تتميز بميزة فريدة من بين اللغات في مجال حفظها . فهي محفوظة بحفظ كتاب الله الذي وعد الله بحفظه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) . وهذا ضمان كاف لبقاء اللغة العربية خالدة مدى الأزمان. ولكن إضافة إلى هذه العناية الإلهية الخاصة ، هناك عوامل عديدة تساعد على الحفاظ على اللغة العربية ، مثل التدوين والوصف الدقيقين لقواعدها والتسجيل الشامل لألفاظها ، مما هو مبثوث في عشرات الآلاف من المتون القديمة والحديثة منذ وقبيل الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه . وهناك وسائل حديثة تضاف إلى المخطوط والمطبوع ، ألا وهي التسجيلات الإذاعية والتلفازية والحاسوبية . كل ذلك ولاريب يعين على المحافظة على اللغة العربية . كذلك نجد أن انتشار استعمال اللغة في مجالات الحياة العامة والعلمية والتقنية المختلفة سيسهم في الارتقاء باللغة وفي نموها ، إضافة إلى عوامل النمو المختلفة التي تحدثنا عنها آنفا في الفقرة السابقة.

6-    التراث الحضاري للغة:

لاشك أن اللغة العربية ، إضافة إلى كونها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ،  تمتاز بالتراث الديني والثقافي والعلمي الهائل الذي لا نجد مثيلا له بين اللغات ، نظرا لتاريخها الطويل الذي يربو على الخمسة عشر قرنا من الزمان. وقد شارك في إنتاج هذا التراث العظيم مئات الآلاف من الكتاب والأدباء والعلماء من العرب وغير العرب ومن المسلمين وغير المسلمين ، كتابة بها أو ترجمة إليها. وتشهد فهارس المكتبات والمتاحف العالمية على الكم الهائل لهذا التراث الذي لا زال كثيرمنه حبيس أرشيفات المخطوطات، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المطبوع من هذا التراث .

نقرأ في هذا الصدد ما كتبه العلامة الراحل الدكتور عبد الوهاب عزام منذ أكثرمن نصف قرن مايلي:

"كان العالم أو الأديب في بخاري، وسمر قند، ومرو، وبلخ، يكتب في العلوم والآداب كما يكتب إخوانه في بطليوس وشنتبر غربي الأندلس وشماليها وفاس تلمسان من بلاد المغرب.

ولبثت لغة القرآن قرونا مستأثرة بالعلم والأدب، ثم نشأت الأمم الأعجمية لغات إسلامية شاركت العربية في الشعر ثم في النثر، وبقيت العربية لغة العلوم الدينية والعقلية قرونا كثيرة بعد نشوء تلك اللغات، واستأثرت بأمهات كتب العلم والأدب إلى قرون بعد غارات التتار التي دمرت العالم الإسلامي الشرقي في القرن السابع الهجري. قد تحققت الأخوة الإسلامية في اجتماع المسلمين على لغة القرآن تلك العصور، ولا تزال للغة العربية مكانتها، ويهتم بها المسلمون غير العرب في كل بلد. ولا يزال في الأمم المسلمة غير العربية علماء وأدباء يجيدون العربية. ونهم من يؤلف فيها. ولا يزال فيهم من يهتم بنشر الكتب العربية القديمة حتى اللغة ودواوين قدماء الشعراء. لا تزال العربية معروفة مدروسة بين المسلمين ولا تزال آثارها واضحة في لغاتهم وآدابهم.

إن اللغات الأعجمية الإسلامية، أعني اللغات التي ترعرعت في هذه الأمم بعد دخولها في أخوة الإسلام الجامعة، نشأت في حضانة العربية، وشبت تستمد منها ألفاظا ومعاني وتحتذيها في أساليبها، وتشاركها في موضوعات علومها وآدابها."

7-    استخدام اللغة في النشرالعلمي والأدبي:

إذا نظرنا إلى النشر العلمي في اللغة العربية ، نجد أن هناك خللا في التوازن بين الإنتاج العلمي في التاريخ العربي والإسلامي وبين كمية هذا الإنتاج في العصر الحديث من جهة ، وبين الإنتاج غير العلمي (الأدبي والتاريخي والاجتماعي والسياسي مثلا) وبين الإنتاج في المجالين العلمي والتقني من جهة أخرى لصالح الأول من المجموعتين، في العصر الحديث. وربما يرجع ذلك جزئيا إلى غياب التعريب العلمي والتقني ، من ثم لجوء كثير من الباحثين العرب إلى كتابة بحوثهم ، بما في ذلك أطروحات الماجستير والدكتوراة والمقالات العلمية المتخصصة بلغات أجنبية حتى في البلدان العربية للأسف وفي الدوريات الصادرة من هيئاتها العلمية.

8-    اللغة في وسائل الإعلام والشابكة (الإنترنت):

  يقول أستاذ الإعلام الإسلامي الدكتور/ عبدالعزيز شرف رواية عن أستاذة الإعلام الدكتورة جيهان رشتي في كتاب لها صدرعام 1979:

"إن الإحصاءات العالمية تؤكد أن اللغة العربية تحتل المكان الثالث بين اللغات المستخدمة في الإذاعات الأجنبية ، حيث تستخدم  محطات إذاعية في العالم اللغة العربية."  (ص 169).

على الرغم من أن هذه المعلومة وردت في مصدر عمره ثلاثون عاما ويزيد ، فلا نشك أن هذا لم يتغير كثيرا منذ ذلك التاريخ . ففي عصر القنوات الفضائية زاد عدد القنوات الفضائية التي تبث بالعربية زيادة كبيرة ، نذكرمنها على سبيل المثال القنوات الصينية والروسية والفرنسية والبريطانية (محطتان) والأمريكية والإيرانية التي لا يقتصر بثها على سويعات محدودة ، كما كان الأمر في الماضي ، إلى جانب المحطات الإذاعية التي تبث برامج كاملة أو ساعات محدودة.

أما عن محطات البث العربية عبر القنوات الفضائية فهي لاشك بالمئات ، كما يلاحظ أي مطلع على التلفازفي أي منطقة عربية.

 أما عن الشابكة (الإنترنت) فتذكر العربية نت أنه  "في منتصف سنة 2010 أشارت مصادر إلى تقرير مختص يذكر أن اللغة العربية حققت نموًا مرتفعًا بوجودها ضمن قائمة أكثر عشر لغات استعمالاً في الإنترنت، حيث حلّت في المرتبة السابعة محققةً نسبة انتشار وصلت إلى 17.5%، ومتفوقة على لغات حية أخرى من بينها الفرنسية.[100]

 


ويذكرأسلمو ولد سيدي أحمد: "يقول عبد القادر الفاسي الفهري، رئيس جمعية اللسانيات بالمغرب، في مقال له نشر في جريدة " المساء" المغربية، العدد:1686 بتاريخ 24/02/2012 "... والمفارقة الغريبة التي كانت وما زالت تستعصي على فهمي هي أن العقد الذي همشت ( وحوربت) فيه اللغة العربية هو العقد الذي سجل أكبر الأرقام في انتشارها عبر العالم، وازدهارها تقانيا، وعدديا، واتصاليا، إلخ، مما جعل بعض الدارسين يرشحونها لأن تصبح إحدى خمس لغات عالمية كبرى وقطبية، وهذا العقد هو الذي شهد بزوغ أكبر الفضائيات العربية وأجودها وأكثرها مصداقية في نقل المعلومة ويمكن قياسها عند المغاربة قياسا موضوعيا إحصائيا، إلخ. وهذا العقد هو الذي شهد ارتفاعا منقطع النظير لمستعملي الشابكة (الإنترنت) باللغة العربية، بحيث قفز عدد المستعملين من 2.5 مليون، سنة 2000م، إلى أزيد من 61 مليونا، سنة 2010م، أي بزيادة 2500 في المائة. فهذه اللغة لها إمكانات عددية واتصالية وتقانية هائلة..." (نقلا عن ماذا يعني ترسيم اللغة العربية في الأمم المتحدة والاحتفال بها مرتين في السنة؟/ أ. إسلمو ولد سيدي أحمد ) المصدر: المحيط نت  www.elmohit.net

28 فبراير 2012

 -    عدد الناطقين باللغة:

من المعروف أن جميع الدول العربية يعتبر أهلها ناطقين باللغة العربية في صورتيها الفصحى والعامية . وفيما يلي عدد سكان كل دولة عربية (والتي يرى البعض إضافة جيبوتي إليها):


 
البلد
تعداد السكان
جمهورية مصرالعربية
83.233.992
  السودان
33.975.593
الجزائر
37,100,000
 
المغرب
32.696.415
 
العراق
 
  26,783,383
 
 السعودية
 
28.367.8
19.405.355 سعوديون
  اليمن
 
19.685.151
  سوريا
 
21.785.075
 
  تونس
 
10,102,000
 
  ليبيا
 
6,546,000
 
  الأردن
 
6.248 مليون
 
  الإمارات العربية المتحدة
 
8.2 مليون (2010)
  لبنان
3.759.100 (2007)
 
  فلسطين
4.293.313  (الضفة والقطاع)
 
عُمان
2.773.479
 
الكويت
2.457.257
 
موريتانيا
3,069,000
 
  قطر
 
1.844.276
  البحرين
 
708,573
  جيبوتي
 
496,374
 
  الصحراء الغربية
 
341,000
 
المجموع
306381659

 10-                       الدول التي تعتبر اللغة العربية لغة رسمية:

إضافة إلى الدول العربية  التي تعتبر اللغة العربية لغة قومية، هناك دول تعتبر العربية فيها لغة رسمية ، بمفردها أو إلى جانب لغة أخرى،  مثل الصومال وجزر القمروتشاد وإريتريا وفلسطين المحتلة. فيما يلي عدد سكان كل منها.

   تشاد 10,146,000

  الصومال 9,118,773

  إسرائيل  7,184,000 (العرب والمستوطنين)

  إرتيريا  4,401,000

  جزر القمر  798,000

 11-                      دول أخرى يستعمل بعض سكانها اللغة العربية:

بالإضافة إلى الدول العربية والدول التي تعتبر فيها العربية لغة رسمية ، هناك العديد من المناطق الأخرى المجاورة التي يستعمل فيها أهلها اللغة العربية كالأحواز(في إيران) والأسكندرونة (في تركيا) ومالي والسنغال .

12-                       انتشاراللغة ونشاط أهلها في نشرها:

حيث إن اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي ومصدره الأول والثاني (القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف) ، إضافة إلى عشرات أو مئات الآلاف من المراجع الدينية في العقيدة والشريعة ، كما أنها لغة العبادة للمسلمين ،فلا غرو أن نجد ذلكم الانتشار الواسع للغة العربية بين المسلمين في أصقاع الأرض ، والذين يزيد عددهم على المليار ونصف المليار نسمة. ولا يكاد يوجد مجتمع إسلامي أوجماعة إسلامية في أي مكان في العالم لايخصص دروسا لتعليم اللغة العربية ، بما في جميع المراكز الإسلامية تقريبا في أي بلد في العالم.

 إضافة إلى ما سبق نجد أنه هناك في الوقت الراهن اهتماما واسعا ، بل ومتزايدا ، بتعليم اللغة العربية وتعلمها في آلاف المؤسسات التعليمية العليا في شتى بلدان العالم شرقا وغربا ، إضافة إلى آلاف الطلاب غير العرب الذين يفدون إلى البلدان العربية ومعاهدها المتخصصة في تعليم العربية للناطقين بلغات أخرى. نورد أدناه خبرا عن تعلم اللغة العربية أوردته قناة العربية في التاسع من ديسمبر 2010 :

 "وأوضحت دراسة أمريكية حديثة أن الإقبال على تعلم اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الأمريكية شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال السنة الماضية بنسبة 46% مقارنة بالعام 2006، نقلا عن تقرير لقناة "العربية" وبحسب الدراسة، فإن عدد المتقدمين للالتحاق بصفوف تعلم العربية خلال العام 1998 بلغ نحو 10.584 عشرة آلاف شخصاً، أما في العام الماضي فارتفع إلى 35 ألفاً. Al-arabiya.net

 ولا أظن أن هذا العدد يشمل الدارسين في مئات المراكز والمدارس الإسلامية وطلاب المدارس المتوسطة والثانوية في بعض الولايات الأمريكية.

 أما عن نشاط الدول العربية في نشراللغة العربية ، فأرى أنها قاصرة جدا . فإذا استثنينا نشاط الأزهر بمعاهده المنتشرة في أفريقيا خاصة وبالمعاهد القليلة التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والأكاديميات السعودية القليلة والدورات القليلة التي تقيمها بعض الجامعات الإسلامية والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في بعض الدول الإسلامية بصورة موسمية، لا نسمع شيئا يذكر لمؤسسات أودول عربية تقوم بنشاط ملحوظ في نشر اللغة العربية في خارج الدول العربية. بل لايوجد في العالم العربي حسب علمنا مؤسسة تعنى جديا بالتنسيق بين أنشطة الدول العربية المختلفة لدعم تعليم اللغة العربية ونشرها في الدول الأجنبية . 

 أما داخليا ، فيجب أن لا ننسى أن هناك عددا من المؤسسات والمراكز التي تعنى بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ، منها معاهد اللغة العربية في الرياض ومكة المكرمة  والمدينة المنورة وجدة . وفي بعض الدول العربية. ولكنني أرى أن الأعداد التي تقبلها هذه المعاهد قليلة جدا مقارنة بعدد المسلمين المتعطشين لتعلم العربية في العالم.

 وفي موقع أجنبي يعنى بالشرق الأوسط ، نجد الأرقام التالية عن هذه المراكز في بعض الدول العربية التي تتجاهل دول الخليح العربية ، باستثناء الكويت:

 مصر: 9 مؤسسات

الأردن: 6 مؤسسات

الكويت: مؤسستان

لبنان: 3 مؤسسات

المغرب: 13 مؤسسة

الأردن : 6 مؤسسات

اليمن : 9 مؤسسات

تونس: مؤسستان

 لكن يلاحظ أن القائمة ناقصة ، حيث لاتشمل كثيرا من المؤسسات التعليمية في بعض الدول ، مثل المملكة العربية السعودية (التي بها خمس معاهد أو مراكز على الأقل ملحقة بالجامعات السعودية)-  انظر دراستنا عن دور المملكة  العربية السعودية في نشر اللغة العربية)  , وقطرالذي به معهد قديم للغات والسودان الذي به معهد الخرطوم الدولى الذي يربو عمره على الثلاثين عاما ومعهد اللغة العربية في جامعة أفريقيا الدولية ، إلى جانب جامعة أم درمان الإسلامية وغيرها ، والعراق الذي أنشأ معهدا للغة العربية في جامعة المستنصرية منذ أكثر من ثلاثين عاما أيضا، والجزائر وغيرها من الدول العربية.

 كذلك  يلاحظ  أن بعض هذه البرامج المشار إليها في موقع "الباب" محدودة ، بل إن بعضها يتم في مؤسسات أجنبية (فرنسية وبريطانية وألمانية). (انظر al-bab.com).

 جدير بالذكر أن هناك برنامجا ناجحا على الشابكة تديره الأكاديمية العربية Arab Academy في القاهرة منذ عدد من السنوات ، كما أنشأ معهد اللغة العربية بجامعة الملك سعود حديثا برنامجا لتعليم العربية على الشابكة كذلك باسم "العربية التفاعلية" LearnArabiconline ، بالإضافة إلى عدد كبير من البرمجيات الحاسوبية المتوافرة لتعليم اللغة العربية (برسوم أو مجانا ) على شبكة الإنترنت.

 ولكن كل ذلك لايعني للأسف عدم تقصير العرب الكبيرفي نشر اللغة العربية التي يتعطش مئات الملايين إلى تعلمها.

 13-                       أثر العربية في اللغات الأخرى:

تذكر بعض الدراسات أن "اللغات التي للعربية فيها تأثير كبير (أكثر من 30% من المفردات) هي:
الأردية والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية وكافة اللغات التركية والكردية والعبرية والإسبانية والصومالية والسواحيلية والتيغرينية والتجرية والأورومية والفولانية والهوسية والمالطية والبهاسا وديفيهي (المالديف) وغيرها. بعض هذه اللغات ما زالت يستعمل الأبجدية العربية للكتابة ومنها: الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية والتركستانية الشرقية والكردية والبهاسا (بروناي وآتشيه وجاوة)."

كما تشير إلى أنه "دخلت بعض الكلمات العربية في لغات أوروبية كثيرة مثل الألمانية، الإنكليزية، الإسبانية، البرتغالية، والفرنسية، وذلك عن طريق الأندلس والتثاقف طويل الأمد الذي حصل طيلة عهد الحروب الصليبية. ..."

(انظر أيضا زيغريد هونكه  في كتابها : شمس العرب تستطع على الغرب)

 14-                       نظرة أهل اللغة إلى لغتهم:

يبدو أن هناك اختلافا واضحا في نظرة العرب إلى لغتهم على مستوى النخبة السياسية والفكرية وعلى المستوى الجماهيري ، مما ينعكس في التدريس العالي بلغات أجنبية والاهتمام بتعليم أبنائهم اللغات الأجنبية على حساب لغتهم الأم (الاتجاه إلى إرسال الأبناء إلى المدارس الأجنبية في بعض البلدان العربية) وفي التساهل في التعاملات التجارية والسياسية بلغات أجنبية على حساب العربية والناطقين بها ، مما يؤدي إلى معاناة الجمهور العربي الذي لا يجيد لغة أحنية (الإنجليزية خاصة) في التعامل مع العمالة الوافدة في شتى القطاعات الصحية والتقنية ، بل والسياحية (الفنادق مثلا) في بلدان الخليج العربي بشكل واضح.

كذلك نلاحظ ذلك في بعض المؤتمرات التي تعقد في مهد اللغة العربية (مثل مؤتمر المنتدى الاقتصادي)، حيث تكون لغة المؤتمر الرسمية اللغة الإنجليزية ، لا العربية ، وبها يلقي حتى كثير من الخبراء والمسؤولين العرب كلماتهم في هذه المؤتمرات.

 15-                       نظرة الآخرين إلى اللغة وأهلها وثقافتها:

من حيث نظرة غير العرب إلي اللغة العربية ، فمن الواضح نظرة المسلمين إليها بوصفها لغة مقدسة ، ونظرة البعض إليها بوصفها لغة التراث الحضاري على مدى خمسة عشر قرنا ، ونظرة البعض للأسف ، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى العربية بوصفها لغة  بلدان "مصدرة للإرهاب" (لعل هذا واحد من أسباب زيادة الاهتمام بالعربية في الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر).

16-                        علاقة اللغة بالدين:

 من المعروف أن العربية ارتبطت طوال القرون الأربعة عشر الماضية بالدين الإسلامي ، فهي لغة مصدريه الأولين (القرآن والسنة) ومعظم مراجعه الأخرى . ثم إنها لغة العبادة من صلاة وخطب الجمعة والعيدين كذلك (في بعض المذاهب) ، فلا غنى لمسلم عن شيء من العربية مهما كانت لغته .

17- العامل الاقتصادي وأهمية أهل اللغة اقتصاديا:                 

هناك أمران يجب أن نشير إليهما في هذا المجال ، ألا وهماأهمية الثروة النفطية واحتياطياتها في العالم العربي، حيث يوجد بالعالم العربي أكثر من نصف احتياطي العالم من البترول ، والدول العربية هي من أكثر الدول التي تزود العالم شرقيه وغربيه بمصدر الطاقة الآول. ثانيا نجد أن العالم العربي بشعوبه المختلفة التي يزيد عددها على الثلاثمائة مليون نسمة يمثل سوقا استهلاكية كبيرة للمنتوجات التقنية والغذائية وسائر أنواع البضائع المختلفة التي تنتجها دول الشرق والغرب الصناعية. يضاف إلى ذلك فرص العمل المتاحة في كثير من الدول العربية (الخليجية خاصة) للخبراء وأشباه الخبراء من الغربيين .

ولا شك أن هذه الحوافز عومل مهمة في تعزيز مكانة اللغة العربية على المستوى العالمي.

18- الموقع الاستراتيجي لموطن اللغة:

من الواضح أن البلدان العربية تحتل منطقة استراتيجية على المستوى الجغرافي السياسي في الشرق الأوسط الذي يعتبر ملتقى القارات ومكان أهم الممرات المائية بين الشرق والغرب.


ثانيا: مكانة العربية في ضوء العوامل المذكورة:

 إن نظرة واحدة إلى اللغة العربية في ضوء العوامل التي تؤثر في مكانة أية لغة ، مما تحدثنا عنه في القسم الأول من هذه الدراسة ، ليثبت لنا بشكل قاطع المميزات الكثيرة للغة العربية مما يؤهلها لتتبوأ مكانة عالمية مرموقة ، على الرغم من التقصيرالواضح من أهلها في الاستفادة منها وفي نشرها في أنحاء العالم.
 

 أ‌) مكانة اللغة العربية بوصفها لغة دينية:

       لا شك أن العربية تحتل المركز الأول بوصفها لغة للشعائر الدينية ، حيث إن اللاتينية التي تستخدم في الكنائس الكاثوليكية يقتصر استخدامها لدى الملتزمين بها على رجال الدين فحسب ، كما أن العبرية ، حتى  وإن التزمت بها جميع المعابد اليهودية في أنحاء العالم، لا يزال عدد مستخدميها محدودا جدا إذا ماقورنت باللغة لعربية.

ب‌)  مكانة اللغة العربية من حيث التعداد السكاني:

 إذا نظرنا إلى عدد الناطقين باللغة العربية والذين يعتبرونها لغة رسمية ، نجد أن العربية تحتل المركز الخامس أو السادس ، بعد الصينية والإنجليزية والأسبانية والفرنسية (والهندية حسب بعض الدراسات).

جـ) مكانة اللغة العربية الرسمية في الهيئات الرسمية:

منذ العام 1973م أضحت اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة ، وتكون بذلك اللغة الرسمية السادسة فيها، بجوار الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والصينية والروسية.  وتشمل هذه الهيئات اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الغذاء والزراعة (الفاو) وغيرها. كذلك تعتبر العربية لغة رسمية في منظمات دولية أخرى ، مثل الاتحاد الدولي للاتصالات والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والأوبك والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو) وهيئة الطاقة الدولية واليونيدو (UNIDO ) وغيرها من المنظمات الدولية المعروفة.

 
الخاتمة:

باستعراضنا للعوامل المؤثرة في مكانة اللغات وأهميتها ، نجد أن اللغة العربية تتوافر فيها معظم ، إن لم تكن جميع ، المميزات والخصائص التي تضفي أهمية للغة . فهي متميزة من حيث الخصائص اللسانية وإمكانات التحديث ومظاهر الانتشار من حيث وسائل الإعلام والاتصال واهتمام العالم بها بوصفها لغة تراث ديني وحضاري ثري على مدى خمسة عشر قرن من الزمان وعلى مساحة جغرافية واسعة ، وكم حيث تأثيرها في لغات كثيرة في العالم ، إضافة إلى كونها اللغة الدينية الأولى وخامسة اللغات من حيث الناطقين بها وإحدى اللغات الرسمية في ا لأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها وفي كثيرمن المنظمات الدولية الأخرى .

أضف إلى كل ذلك تفرد العربية بأنها اللغة الوحيدة في العالم التي لم يطرأعليها  تغيير يؤثر في استمرار فهم أهلها على مدى أكثر من خمسة عشر قرنا.

كل ما أشرنا إليه أعلاه من عوامل تؤثر في أهمية اللغة العربية في جانب ، وأهمية نزول كتاب الله وكلامه الخالد أبد الدهرباللغة العربية في جانب ، وكلاهما يجعلان للغة العربية مكانتها الفريدة والمتميزة على سائر اللغات في العالم.



المراجع:

إدريس بن الحسن العلمي (2001) في اللغة (جمعه وقدم له أمل العلمي). الدار البيضاء: مطبعة دار النجاح الجديدة.

أسلمو ولد سيدي أحمد "ماذا يعني ترسيم اللغة العربية في الأمم المتحدة والاحتفال بها مرتين في السنة" المصدر: المحيط نت www.elmohit.net   

 تمام حسان . اللغة العربية : معناها ومبناها. عدة طبعات في  بلدان مختلفة.

 جيهان رشتي (1979) الإعلام الدولي بالراديو والتلفزيون. القاهرة: دار الفكر العربي.

شوقي ضيف . مجمع اللغة العربية في خمسين عاما (1934-1984) القاهرة: مجمع اللغة العربية.

صبحي الصالح (1962) دراسات في فقه اللغة ، ط2. بيروت : منشورات المكتبة الأهلية.

عبدالعزيز شرف (1991) اللغة العربية والفكر المستقبلي. بيروت: دار الجيل.

 عبدالعزيز بن إبراهيم العصيلي (2008) من خصائص اللغة العربية. (الجمعية العلمية السعودية للغة العربية ، سلسلة الإصدارات العامة (3)). الرياض: كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع.

 عبـد الفتـاح الفـاتحـي (2010) "اللغة العربية في الجامعات الأمريكية" مدونة بتاريخ 25 يناير 2010. http://elfatihi.elaphblog.com

 فرحان السليم "اللغة العربية ومكانتها بين اللغات"  http://www.saaid.net/Minute/33.htm

 

مراجع أجنبية:

 

Bell, Roger (1976) “Language types: Formal and Functional Typologies” in: Sociolinguistics. London: T.B. Batsford Ltd.

 
Holmes, Janet (2008) “Language planning” in: Introduction to Sociolinguistics, 3rd Edition. London: Longman.

 Fasold, Ralph (1984) “Language planning and Standardization” in: the Sociolinguistics of Society. New York: Basil Blackwell.

 Gadelii, Karl E. (1999) Language Planning: Theory and Practice (Evaluation of Language planning cases worldwide). Paris: UNESCO.

Pereltsvaig, Asya (2012) Languages of the World: An Introduction. Cambridge: Cambridge University Press.
 

Timitope, O (2011)  Factors that influence language planning.pptx

www.slideshare.net/topinsn/factors that influence language planning pptx. Retrieved Oc. 25, 2012.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق